📁 آخر الأخبار

قراءة نقدية في المقرر الدراسي: "مرشدي في اللغة العربية" للسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي

 



                                                       بقلم: عبد الحكيم البقريني

     يعتبر كتاب المقرر الدراسي الرابط المعرفي المشترك بين التلميذ والأستاذ، ونظرا لدوره المحوري باعتباره وسيلة تعليمية، وقد يكون المصدر الوحيد والأوحد لأخذ المعرفة بالنسبة للعديد من التلاميذ، لكل ذلك وجب أن يكون مكتملا شكلا ومضمونا. وانطلاقا من الممارسة المهنية، والاشتغال اليومي سوف نبرز مواقع الضعف في المقرر الدراسي، فضلا عن نقط قوته، آملين أن نفتح نقاشا يكشف كل نقص، عساها تتدارك في المستقبل.

     "مرشدي في اللغة العربية" للسنة الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي صدر للمرة الأولى سنة 2005، ولعله المقرر الوحيد الذي لم يشمله التنقيح أو المراجعة رغم ما تحمله تقارير المجالس التربوية وما ترفعه من توصيات وملاحظات. هذا الأمر يطرح أكثر من علامة استفهام عن جدوى هذه التقارير ما دامت السلطات الوصية على القطاع لا تلتفت إليها ولا تعيرها اهتماما.

     ننطلق في مقاربتنا من النصوص القرائية باعتبارها الوجه الأدبي للمادة والمنطلق للدروس اللغوية. هذه الثنائية (نص أدبي/ نص انطلاق طافح بالمادة اللغوية) قد تخرجه من جماليته الأدبية الإبداعية، لتسقطه في التنظير اللغوي. لذلك فلا غرابة إن وجدنا معظم النصوص القرائية خالية من الحس الجمالي الأدبي... نصوص تُرضي الدرس اللغوي والقيم المتوخاة وخالية من النفحة الأدبية. مما يزيد الأمر حدّة سيادة النصوص النثرية على حساب النصوص الشعرية، هذه الأخيرة هي مصدر الرقي اللغوي. لهذا نقول: ألم يكن الأجدر اعتماد أمثلة الدرس اللغوي من نصوص مستقلة؟

     إن تذوق اللغة العربية وحبّها مرتبط بالنصوص الأدبية الجميلة، الدّسمة بألفاظها ومعانيها. وللأسف الشديد هي غائبة باستثناء نص وحيد هو: "لحظة غضب" من منظورنا المتواضع. وحتّى وإن وجدت هذه النصوص الراقية فحصّتين غي كافيتين لإظهار المقومات الفنية والجمالية الإبداعية.

     المكون الثاني وهو الدرس اللغوي والذي تعرّض لبتر وقطع وحذف غير مبرر، رغم النداءات المتعددة للأساتذة. لقد تمّ حذف درسي الإعلال والإبدال وهما يعبران عن غنى اللغة العربية وحركيتها، ويظهران الأصل اللغوي للكلمة... حذفهما أثّر على درس النسبة باعتبار الترابط بينهما خاصة عندما ننسب الاسم الممدود، حذفهما فوّت على المتعلم معرفة دينامية الكلمات. ولعل من الأساليب الجميلة التي حذفها: الإغراء والتحذير والندبة والاستغاثة... وهي تلاوين فنية تعبيرية تعبر عن جمال وغنى وتنوع أنماط التعبير باللغة العربية. هذا الأمر يثير الاستغراب، إذ كيف سنرفع من مستوى المتعلم، هل بحذف الجميل والمهم؟ أليس من الأجدر حذف درسي اسم الآلة والمعاجم؟ وما الغاية من هذا الحذف أصلا؟ ولماذا لم يتم تعويض الدروس المحذوفة؟ انتظرنا الجواب طويلا، ليتبيّن مع مرور الوقت أن الأمر يتعلّق بمخطط ضرب اللغة، وخلق جيل غير ملمّ بلغته.

     أما مكون التعبير والإنشاء فمهارته مناسبة للمتعلم، مهارات تستدعي الصياغة والإبداع والتأليف، حكيا ووصفا وحجاجا فنقدا وحكما. لكن المستوى المتدني للمتعلم يحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة، والتي لن يتحقق ذلك إلا بخلق جيل قارئ، محبّ للغته، عاشق للتلوينات الفنية والتشكيلات المتعددة للغة العربية.

     "مرشدي في اللغة العربية" متميّز بجمالية الإخراج، وحسن اختيار الصور المرافقة للنصوص، إلا أن ما ذكر آنفا يجعل النتائج محدودة مقارنة مع الأهداف المتوخاة، لذا وجب مراعاة إشاراتنا أثناء إصدار مقرر دراسي يواكب الإعداديات الرائدة، أو المشروع الجديد الذي تنهجه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي.


د. الحسن اللحية
د. الحسن اللحية
الحسن اللحية هو أستاذ علوم التربية ومناهج البحث، وكاتب وباحث ومترجم من المغرب. له إسهامات عديدة في المجال التربوي والفكري من خلال مؤلفاته التي تعالج قضايا التعليم والسياسة والثقافة. من بين أبرز أعماله: "مدخل إلى قراءة ماكيافللي"، "نهاية المدرسة"، "المدرسة والمقاولة"، "السياسة والخيال"، وسلسلة "بيداغوجيات"، بالإضافة إلى "معجم التربية والتكوين".... تعكس أعماله رؤيته النقدية والتحليلية للمجتمع والتربية، مما يجعله من الشخصيات المؤثرة في الفكر التربوي العربي.