الحسن اللحية
تنطلق البيداغوجيا الفارقية من المسلمة
القائلة بأن التلاميذ يختلفون من حيث المكتسبات والسلوك وإيقاع العمل والمصالح والثقافة والوسط الجغرافي والاقتصادي...إلخ ؛ لذلك فإن المدرس أمام وضعية
تنوع وتعدد تفرض عليه الاقتراح والملاحظة وتعديل أنشطة التلاميذ واختيار الطرق
البيداغوجية المناسبة. وهناك من يعدد المسلمات التي تقوم عليها البيداغوجيا
الفارقية مثل المسلمة القائلة بأنه لا وجود لتلميذين يتقدمان بنفس السرعة في
تعلمهما. ولا وجود لتمليذين على أهبة للتعلم في نفس الوقت، ولا لتلميذين يستعملان
نفس تقنيات الدراسة، ولا لتلميذين يحلان المشاكل بنفس الطريقة، ولا لتلميذين
يمتلكان نفس قائمة السلوكات، ولا لتلميذين لهما نفس المصالح، ولا لتلميذين يمكنهما
أن يحفزا لبلوغ نفس الهدف. ولهذا السبب سيكون المدرس مدعوا لتنويع طرقه وأدواته
ودعاماته وأنشطة التلاميذ والعمل بتعدد البيداغوجيات، وهكذا تتحدد البيداغوجيا الفارقية باعتبارها بيداغوجيا مفردنة تعترف
بالتلميذ كشخص له تمثلاته الخاصة عن وضعية التعلم، وهي كذلك بيداغوجيا في تنويع
إيقاعات التعلم.
وهناك من يرى بأن البيداغوجيا
الفارقية هي بيداغوجيا السيرورات؛ فهي بيداغوجيا تقحم إطارا
مرنا واضحا بما
فيه الكفاية ومتنوعا حتى يستطيع التلاميذ التعلم حسب
إيقاع تعلمهم. وهي بيداغوجيا تنتظم حول مجموعة كبيرة من العناصر تهم تنوع واختلاط
التلاميذ مثل اختلافهم المعرفي وتنوعهم السسيوثقافي واختلافاتهم النفسية...إلخ.
كما أن للبيداغوجيا الفارقية أسسا
فلسفية تتجلى في الإيمان بقدرات الفرد وإمكاناته التي تسمح بالقابلية للتربية، ثم
الايمان بالمثال القائل بتكافؤ الفرص؛ أي الإيمان بالحق في اختلاف الفرد عن
الآخرين في التعلم.
ومن الجانب التاريخي نجد أن المدرسين قد مارسوا البيداغوجيا
الفارقية منذ القرن التاسع عشر في الوسط القروي حينما احتوت فصولهم الدراسية على
عدد غير متجانس من
التلاميذ من حيث الأعمار أو المستويات.
سيكون هدف البيداغوجيا الفارقية هو الصراع ضد الفشل الدراسي
لأنها استراتيجية في النجاح. فالمدرس مدعو للتعرف على
قدرات تلاميذه وتنميتها وتبديد عدم رغبتهم في التعلم، وإيجاد
وضعيات لإدماج التلاميذ في الحياة والوعي بإمكانياتهم. ثم تحسين علاقته
بهم وإغناء التفاعل الاجتماعي وتعلم الاستقلالية.
لا تتحقق البيداغوجيا الفارقية إلا
وفق الشروط التالية:
·
الانطلاق
من تنوع
الأفراد واختلافهم من حيث التحصيل لأنه لا يمكن أن يتماثل الأفراد في
تحصيلهم أو في هوياتهم، وهو ما يعني تجاوز المنطق الأرسطي القائم على مبدأ الهوية:
أ هي أ.
·
يجب
تنويع المعارف
التي سيعمل المدرسون على ترجمتها إلى برامج دراسية، مع الإقرار بتنوع إيقاعات تعليمها حسب تنوع إيقاعات تعلم التلاميذ.
·
دعم المؤسسة لما يقوم به المدرسون
وتنوع بنيات وأمكنة التعلم: لم تعد حجرة الدرس هي المكان الوحيد
للتعلم.
·
العمل بالمجموعات ودينامية
الجماعات.
·
التدبير المرن لاستعمال الزمن.
·
إخبار جميع الشركاء كالتلاميذ
والآباء والمدرسين والإدارة.
تغيير مهنة المدرس والتلميذ من منظور البيداغوجيا الفارقية:
يرى فليب بيرنو أن مهمة البيداغوجيا
الفارقية لا تنحصر في محاربة الفشل الدرسي، بل تتعدى ذلك إلى افتراض تدبير آخر
للقسم الدراسي وإبرام تعاقدات ديداكتيكية؛ ولذلك فهي بيداغوجيا نشيطة وتعاونية و
ذات علاقة بالمشاريع[1]؛
وبهذا المعنى فإن البيداغوجيا الفارقية تحول وتغير مهنة المدرس والتلميذ معا.
§
المدرس:
·
سيفتقد
الحجرة المغلقة: من الآن فصاعدا ستكون الحجرة الدراسية متنقلة وبدون جدران؛
·
الإيمان
بتعددية جماعات العمل والإحالات؛
·
العمل
تحت سماء مفتوحة؛ أي أمام أنظار الزملاء والآباء والأمهات؛
·
التعاون المهني
المكثف والتفاوض الدائم؛
·
مواجهة
التلاميذ ذوي الصعوبات الخاصة؛
·
العمل
بوضعيات مشاكل والتعديل التفاعلي أثناء التعلمات؛
·
ممارسة
تقويم تكويني تفريدي يقوم على الملاحظة المستمرة للتلاميذ أثناء العمل؛
·
تصور
وبناء عدة ديداكتيكية متنوعة؛
·
...إلخ.
§
التلميذ:
تتمثل مهنة
التلميذ، في نظر فليب بيرنو، في القيام بالحد الأدنى كجميع الناس، وإذا كان
بالإمكان القيام بما هو أحسن كالآخرين، وبخاصة في لحظة التقويم. فالتلميذ مرتبط
دوما بتاكتيكات قصيرة النظر وبعلاقة نفعية إن لم تكن كلبية مع المعرفة.
والبيداغوجيا الفارقية تحرق الأوراق عن آخرها حتى يعتاد التلميذ على مهنة متفق
بشأنها. فهي تطلب منه، على سبيل المثال، الدخول في لعبة التعاون مع المدرس من غير
تقنيع للشكوك والأخطاء ...إلخ، وفي الآن نفسه لن يقوم بنفس المهمة كالآخرين.
خلاصات:
نستخلص،
حسب فليب بيرنو، أن البيداغوجيا الفارقية تقوم على مايلي:
أولا: تجعل البيداغوجيا الفارقية المتعلم في وضعيات تعلمية خصبة.
ثانيا: تتطلب
البيداغوجيا الفارقية تغييرا عميقا لوظائف المدرسة والمدرس.
ثالثا:
البيداغوجيا الفارقية ثورة ضد الفشل المدرسي واللامساواة.
رابعا: تقوم
البيداغوجيا الفارقية على تعاقد ديداكتيكي ومؤسساتي يعطي معنى
للعمل المدرسي.
خامسا: تقوم
البيداغوجيا الفارقية على الحوار بين المدرس والمتمدرس.
سادسا: تقوم
البيداغوجيا الفارقية على التنوع، أي أنها ضد التمركز ومركزية البرنامج الدراسي.
نصوص:
نص1:
كثيرا ما يصطدم
المدرس داخل القسم ببعض التلاميذ الذين لا يبدون رغبة كبيرة في التعلم، فيشاغبون
ويؤثرون سلبا على سير الدرس كما يبتغيه ويخطط له. ويلجأ كثير من المدرسين إلى
أساليب زجرية يتوخون منها ردع تلك السلوكات، فيتفاقم وضع أولئك الأطفال ويزداد
حرصهم على خلق المزيد من المشاكل.
الامتحانات
المهنية- دورة نونبر 2005
الإطار
أساتذة التعليم الابتدائي الدرجة الثانية
نص2:
يختلف التلاميذ
في مستويات تعلمهم، والمدرس مطالب بأن يراعي هذه الاختلافات في جميع العمليات التي
يقوم بإنجازها داخل القسم وخارجه.
الامتحانات
المهنية – دورة نونبر 2005
الامتحان
المهني لولوج الدرجة الثانية من أطار المعلمين
نص3:
يرى بيرنس أن
البيداغوجيا الفارقية تنطلق من مسلمات كثيرة منها أنه لا وجود لمتعلمين يتقدمان
بنفس السرعة في تعلمهما، ويستعملان نفس تقنيات الدراسة، ويحلان المشاكل بنفس
الطريقة، ويمتلكان نفس قائمة السلوك.
نص4:
لن نخرج من
البداهة القائلة: إن التلميذ هو الذي يتعلم ويعلم نفسه بنفسه. إنه يتعلم بطريقته
كما لو أنه لم يتعلم أبدا... يتعلم بتاريخه منطلقا مما هو عليه وما يعرفه. لا وجود
لبيداغوجيا تقتصد في هذه الظاهرة؛ بحيث أن على كل بيداغوجيا أن تتأصل في التلميذ،
في معارفه الاختبارية و تمثلاته و معيشه. أن تتعلم تعني دوما التوريط والالتزام
المتنامي للتوريط الأول للاقتراب من التجريد. إنه مسار متفرد لا يعوضك عنه أحد؛
ولذلك يؤكد جميع البيداغوجيون على أنه من اللائق الانطلاق من التلميذ، من حاجاته
ومصالحه. ويضفيون بأن الأمر لا يجب أن يتوقف هنا، بل يجب أن نزوده بالأدوات
ليتجاوز حاجاته ومصالحه، والسماح له بالوصول لتمثلات صافية ومعارف علمية.
Ph.Meirieu,L’école,
mode d’emploi,ESF,1991
[1] Ph. Perrenoud, Métier d’élève et métier
d’enseignant dans une pédagogie différenciée,1998, site perrenoud.